كيف تتأثر المرأة بتغير المناخ والأزمة البيئية؟

إيمان المرعبي

يواجه العراق أزمات بيئية لها تداعيات كبيرة على السكان، نذكر منها تغير المناخ، شح الموارد المائية، تصحر الأراضي، وتلاشي مهن يحترفها ملايين العراقيون، وتراجع مؤشرات الصحة العامة، وتراجع الثروات الحيوانية والسمكية، والعديد من الأزمات التي ستؤدي إلى تغيير بنيوي في المجتمع.

أظهرت أدبيات الدراسات الجندرية والوقائع المشاهدة في العراق على أن تغيّر المناخ والجفاف يساهم في زيادة احتمال تعرض المرأة العراقية للعنف القائم على النوع الاجتماعي. فوفقاً إلى دراسات عالمية حديثة، يزيد أثر التغيرات المناخية على الإناث بمقدار ١٤ ضعف عن أثرها على الذكور (ورقة بحثية أصدرها المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية ”دراية”)، كما يتباين عدد الوفيات الناتجة عن تلوث البيئة وتغير المناخ حسب الجنس، حيث يرتفع المعدل عند الإناث. وفي نفس السياق، فقد منعت الظروف البيئية في عام ٢٠٢١ قرابة ٤ ملايين فتاة في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل من إكمال تعليمهن، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى ٥ ملايين فتاة بحلول عام ٢٠٢٥.

وقد أكد الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد في مناسبات رسمية عدة على “أنَّ الجفاف المتزايد في العراق يشكل تحدياً خطيراً”، و”أنَّ أزمة المياه أجبرت السلطات على تقليص المساحات الزراعية”. ووسط ذلك، فإنَّ النساء العراقيات وخاصة معيلات الأسر والأطفال سيكن الأكثر تأثراً بهذه الأزمات، كونهن الفئة الأكثر هشاشة، والتي تعاني من نقص في الموارد المالية وفرص العمل، وغالباً ما لا يصل صوتها إلى مواقع صنع القرار.

فضلاً عن ذلك، فإن البنية الاجتماعية، سواء في المدن أو في الأرياف، ستشهد ظواهر سلبية نتيجة التغيرات المناخية وما ينشأ عنها من عمليات نزوح جماعي بحثاً عن فرص وحياة أفضل، ومن المتوقع أن يرافق ذلك ظهور أنماط سلوكية جديدة لدى من فقدوا أرضهم وثرواتهم الحيوانية التي توارثوها ووفرت لهم لعقود ما هو أكثر من مصادر الدخل، حيث أعطتهم الوجاهة والمكانة الاجتماعية. وقد تحمل هذه السلوكيات عنفاً متوسطاً أو شديداً، فالصراع على الموارد الشحيحة وتراجع فرص العمل والنزوح الداخلي من أخطر ما يغذي التوترات الاجتماعية ويزيد من معدلات العنف القائم على النوع الاجتماعي.   

لذلك، فمن الأهمية بمكان ضمان التمثيل العادل للجنسين في مواقع صنع القرارات التي تمس القضايا البيئة، لتضمين المنظور الجندري وجعل هذه القرارات أكثر واقعية. كما ينبغي بناء الخطط الاستراتيجية الحكومية على أسس مؤسساتية محكمة، بالاستعانة بدراسات بحثية ميدانية شاملة لكل جوانب المشكلة، فالحلول القاصرة المؤقتة قد يكون لها مفعول عكسي يؤدي إلى تزايد الآثار السلبية بدلاً من الحدِّ منها. وفي هذا الصدد، يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن يكون لها دور فعَّال في تهيئة المجتمع لتقبل السياسات وفهم ما قد يصاحبها من آثار اقتصادية وعملية على السكان، فعدم تعاون المجتمعات المحلية قد يعرقل تنفيذ هذه السياسات.

وأخيراً، فلا بُّد من التعامل مع سياسات مواجهة تغير المناخ والجفاف وآثارها الاجتماعية والاقتصادية بأعلى مستوى من الجدية من قبل كافة الأطراف المعنية، وبإشراك عادل للجنسين في اتخاذ القرارات وتنفيذها.