سوزان سفر: قصة نجاح “عجن الصعوبات وتحويلها إلى رسائل سلام قصة امرأة عراقية”

ولدت سوزان سفر عام ١٩٨٥ في محافظة نينوى، قضاء تلكيف، ونشأت في بيئة متعددة في تكوينها السكاني. حين شبّت استطاعت أن تقنع أهلها بأنّها لن تتزوج كأخواتها اللواتي تزوّجن في سنّ مبكر جدًّا. كسر ت سوزان كافة الحواجز لكي تكمل دراستها، فنجحت في ذلك، والتحقت بجامعة الموصل في كلية العلوم والحاسبات، قسم الرياضيات.

 

في مرحلة دراستها الجامعية زاد اهتمامها بالمعرفة والثقافة، فصارت تلجأ إلى المكتبة المركزية في الجامعة، حيث أخذت تقرأ مختلف أنواع الكتب، ممّا جعلها تحب كتابة القصص والشعر والإعلام. 

 

تزوّجت سوزان بعد التخرج وانتقلت إلى محافظة دهوك حيث بدأت العمل الإعلامي والنشاط المدني. عملها في مجال الإعلام دام لمدّة خمسة أعوام كمراسلة ومحرّرة ومقدّمة برامج. ساعدها الإعلام في نشر كتاباتها وآرائها على شكل قصص ومقالات وقصائد شعرية في الجرائد والمجلات والمواقع الالكترونية، حيث ركزت في مدوناتها على شتى المشاكل التي تعاني منها المرأة العراقية. استمرت سوزان في هذا المجال حتى عام ٢٠١٤.

 

لم تكن سوزان تعلم آنذاك بأنّها ستكون مديرة لمنظمة تروّج لحقوق المرأة ودورها في المجتمع. فهي أرادت فقط أن تعيش حياة امرأة عراقية لها حقوقها وتمضي في تحقيق أهدافها وأمانيها وطموحاتها. إلّا أنّ التحديات والصعوبات في البيئة المحافظة التي كانت تعيش فيها، إضافة إلى تردي الأوضاع الأمنية في مدينة الموصل بسبب تنظيم داعش، وسيطرة هذا التنظيم على قضاء سنجار، أمور غيرت دوافع سوزان. كان تعرض العديد من الإيزيديين للقتل والإبادة الجماعية، وتعرض العديد من النساء الإيزيديات للخطف، بمثابة الصدمة بالنسبة لسوزان. فحين رأت أهلها يتشرّدون ويقعون ضحايا أمام أبشع قوة شهدها العراق، بدأت تعمل بجهود كبيرة لخدمة أهلها. عملت على تأسيس فريق تطوعي يساهم في خدمة النازحين وتقديم المعونات وإغاثتهم. بعد فترة قصيرة، صار فريق سوزان معروفًا، فسعت إلى أن تحوله إلى منظمة رسمية ونجحت في ذلك. سُجلت المنظمة مطلع عام ٢٠١٥، وأسمتها سوزان “داك”، كلمة باللغة الكورمانجية تعني “الأم”. كانت المنظمة بداية تختص بتنمية المرأة الإيزيدية، ثم توسّعت لتصبح متخصصة بالمرأة العراقية بصورة عامة.

 

انطلقت بدايات سوزان مع منظمتها في تنفيذ العديد من المشاريع، وأصبحت تطوّر نفسها وفريق منظمتها من خلال التعامل مع المنظمات المحلية والدولية، وعبر دخول عدة تدريبات حول المرأة وحقوقها. أصبحت سوزان تمتلك الكثير من المعلومات التي تختص بمعالجة قضايا الناجيات الإيزيديات، بحيث تقدم الدعم النفسي والاجتماعي لهن وتوفر مساحات آمنة للمرأة التي تعرضت للعنف، ثم تعمل على تمكينها وتطوير مهاراتها وجعلها امرأة قيادية.

 

تقول سوزان: “أوّل مشروع لمنظمتنا كان مع منظمة UPP الإيطالية عن النساء ومشاركتهن في صناعة السلام، خاصة المرأة التي كانت ضحية الانتهاكات. عملنا في هذا المشروع على تمكين المرأة من أن تتعلم قيادة المركبات والعمل، وأن تكون جزءًا من المجتمع. على سبيل المثال، لو كان للمرأة مهارات أثناء دخول داعش إلى سنجار، لكانت أغلب النساء قد هربن بطرق مختلفة. لهذا، أخذنا على عاتقنا هذه المهمة وبدأنا من الصفر، واليوم نتعامل مع العديد من النساء ولدينا المئات من قصص نجاح نساء كن قد تعرضن للعنف”.

 

لم تعمل منظمة “داك” التي تترأسها سوزان لتمكين الايزيديات فحسب، بل شملت كل مكونات محافظة نينوى ودهوك، واستهدفت في عملها كافة الشرائح من أجل أن تكون هناك نساء مدافعات عن حقوقهن يمتلكن العديد من المهارات في العمل المجتمعي. في السنوات الأولى، كان عمل سوزان وتركيز منظمتها على الدعم النفسي الاجتماعي، ثم تطوّر ليشمل تنمية المرأة وتمكينها من كافة النواحي كي تستطيع أن تكون قيادية وأن تشارك في السياسية وفي صنع القرار. تعمل سوزان حاليًّا على حماية النساء، خاصة الناجيات، وعلى الحماية الاجتماعية عن طريق القانون والترويج لتعويض الناجيات وإعطائهن حقوقهن بالكامل.

 

تقول سوزان عن تجربتها: “أصبحت ناشطة ومدافعة عن حقوق المرأة حينما رأيت أن أغلب أخواتي تزوّجن بعمر ١٥ عامًا. فلو قبلت أن أتزوج مثلهن لكنت الآن ربة بيت لا أكثر. لكنّ التحول في حياة الإنسان يحتاج إلى جرأة وشجاعة وقرار، وأنا متحمسة جدًّا للدفاع عن حقوق النساء والمساهمة في جعل النساء صانعات للسلام وتعزيز دورهن في المجتمع، ليس على مستوى العائلة فقط، بل على المستوى العام أيضًا”.

 

بخصوص مشاركتها في برنامج “النساء يتحدثن عن السلام”، أحد مشاريع منظمة البرلمان، تذكر سوزان أنها استلمت رسالة عن طريق تحالف ١٣٢٥، الذي يتكون من أربعين منظمة تعمل على قرار مجلس الأمن ١٣٢٥. كان في الرسالة رابط الدعوة إلى التقديم، فسجلت سوزان بياناتها وقُبل انتسابها. بالرّغم من أنّ البرنامج كان الكترونيًّا، إلّا أن الفائدة كانت كبيرة. تذكر سوزان على وجه الخصوص التدريب الأول على القيادة والنوع الاجتماعي مع المدربة هدى قنديل، والذي كان بمثابة رحلة اكتشاف للذات وتأسيس ضروري لكل المعارف والمهارات التي اكتسبتها لاحقًا. كذلك، كانت ورشة الدكتورة منى ياقو حول القانون العراقي والقانون الدولي بالغة الأهمية بالنسبة لعملها. تعقب سوزان: “لقد عملت على صياغة عدة مشاريع ومقترحات تخدم المرأة في محافظة نينوى ودهوك والعراق بصورة عامة بحسب ما تعلمته من آليات كتابة وإدارة المشاريع، واستفدت أيضًا من خبرات زميلاتي المشاركات في هذا الصدد. قمت باسم منظمتي بالتقديم لتمويل لهذه المقترحات، وأثمر هذا الجهد عن تنفيذ حملات مناصرة متعلقة بحقوق المرأة”. من خلال هذا البرنامج الذي أعطاها حافزًا للتفكير في مشاريع ومقترحات جديدة، تود سوزان أن تساهم في نقل معرفتها إلى المرأة التي كانت ضحية العنف والنزاعات والحروب.

 

رسالة سوزان إلى المجتمع تقول: “على المجتمع العراقي والدولي ألّا ينظر إلى النساء على أنّهن ضعيفات وربّات بيت فقط. النساء اللاتي عملنا معهن قويّات ويستطعن الآن الدفاع عن حقوقهن. على المرأة أن تشارك وتساهم في بناء المجتمع وخاصة في عمليات السلام والتفاوض، وعلى الرجال أن يدعموا نساءهم وبناتهم وأخواتهم لأنّ المجتمع ليس لفئة واحدة بل لكل الفئات. تستطيع المرأة أن تبدع وخاصة حينما تتلقى الدعم من بيئتها ومجتمعها، وتستطيع أن تشارك في صناعة القرار وأن تكون صانعة التغيير الإيجابي”.