زغاريد طائر الرفراف (ضفائر نعيمة)
خولة جاسم الناهي
لم تكن حفلة وضع الحناء هي التي جمعت بنات العائلة هذه المرة، وإنما كانت حفلة من نوع آخر، يمكن أن نسميها حفلة قص ضفائر.
فقد قررت الفتيات، وبدون سابق اتفاق، قص ضفائرهن.
لا أذكر السبب فعلًا؛ هل كان زيارة بعض الضيوف من العاصمة وقتها والإعجاب بقصات وتسريحات شعور بناتهم، أم هو أحد الأفلام العربية الرائجة حينها؟
كل ما أذكره عن ذلك الوقت هو جمال بنات أعمامي في القَصّة (الكاريه) التي أبرزت ملاحة ملامحهن، بالإضافة إلى مسحة من جمال الرضى والتوق للتغيّر التي كانت بادية في ابتساماتهن الطفولية الرائقة.
كنت أريد قصّة كاريه أنا أيضًا. سعيدة أن أمي لم تعارض رغبتي تلك وسمحت لي بقص شعري ومشاركة الجميع ذلك الطقس الاحتفالي غير المعتاد بالتخلص من ضفائرنا. أما جدتي فأصرت على طقس آخر، مساند، وهو أن نضع ضفائرنا المقصوصة في قلب النخلة لكي تعاود نموها من جديد مع نمو سعف النخيل!
ربما هي إحدى تأثيرات أسطورة عمتنا النخلة.
لذلك، اختارت كل فتاة نخلتها لوضع ضفيرتها فيها، وكأنما الأمر كان يقتضي عدم مشاركة النخلة. أصبح لبستان النخيل يومها عُذوقٌ من ضفائر ملوّنة. فنخلة ثمرها أشقر ونخلة ثمرها ضفائر محنّاة وأخرى سوداء بلون ذيل الحصان المعلق فيها.
أذكر نخلتي تمامًا. كانت نخلة حلاوية، متوسطة الطول، تناسب قدراتي المتواضعة بالتسلق وتشابه في لون تمرها وكثرة سعفها شعري البني!
“سينمو الشعر مرة أخرى ويطول”، هكذا أحدث نفسي كلما رأيتُ تلك الضفائر مُعلقة في البستان. وحين ألمح نخلة تنمو في أرضها، أتصورها وعدًا بنمو ضفائر فتاة عراقية حسناء.
إلّا ضفائر نعيمة! فهي بقيت معلقة لسنوات طويلة في نخلة قرب ذلك المقام… كنت أتوقع أنها ستنمو مرة أخرى لتصبح فتاة تشبه الفتاة التي قضت نحبها في ذلك اليوم المشؤوم ولم تبقِ القذيفة المتفجرة منها سوى تلك الضفائر المعلقة بقلبة نخلة ديري، حلوة الثمار، رغم التيبّس غير المعهود الذي أصاب تمرها بالنسبة لباقي أنواع التمور العراقية الطرية.
فوجئت البارحة بالنخلة شامخة في مكانها، رغم جرف كل البساتين المحيطة بها لتتحول إلى منازل ومحال تجارية.
كانت تقف هناك وحيدة، وقد تألق تحت أشعة الشمس بلحها الأحمر، تحرس ما تبقى من ضفائر نعيمة!
رفعت رأسي أبحث عنها وأتساءل، “هل ما زالت الضفائر معلقة في مكانها؟”
حجب عني الرؤية طير مهلهل أزرق رفراف، فاردًا جناحيه مغرّدًا بأغنية قديمة لا تشبه بنغماتها ’ ما أدري ضوه خده … م أدري القمر فوق‘!
للأسف القصة حقيقية، وأنا مثلكم في انتظار نهاية سعيدة لها.