الريح وجذور امرأة: قصة نجاح

مسار عبد الله عبد الودود

ولدتُ في اليوم الأول من شهر أغسطس/آب سنة ١٩٨٣، لعائلة ذات دخل متوسّط، كنت الأنثى الوحيدة بين أشقائي الذكور، وهذا ما جعلني المدلّلة بينهم، إلى حدّ ما. ولكن نعيم الدلال سرعان ما بددته أجواء الحرب وأصوات المدافع. فقد تزامنت ولادتي مع ولادة حرب مدمّرة استمرّت ثمان سنوات، وشكّلت جزءاً من ذاكرتي لا يمكن نسيانه، لما عشت فيه من رعب وخوف وانتقال بين أماكن عدّة خوفاً من الشظايا المتناثرة عند استهداف مكان إقامة عائلتي.

 

في ذكرياتي الطفولية لا أذكر أنني تنزّهت في الحدائق أو لعبت مع الجيران، كما لم أدخل رياض الأطفال لأغني الأناشيد أو أتعلم تهجئة الأحرف. ولكنني ما زلت أحتفظ بذكرى يوم جميل، يوم سهرنا فيه في الشارع حتى الصباح، بعد إعلان انتهاء الحرب، كان بعض الجيران يرقص والبعض الآخر يغني الأهازيج، في حين كان آخرون يذرفون الدمع، ولم أفهم حينها كيف يمكن أن تفرح بالدموع!

 

بعد شهر من انتهاء الحرب انتهت العطلة وبدأت المدرسة، وفجأة وجدت نفسي في الصف الثاني مباشرة، بدل أن أكون في الصف الأول! لم أعرف سبباً مقنعاً لذلك في حينها، ولكنني أجبرت على الجلوس كما أمروا، وجلست. كان عاماً دراسياً قاسياً ويفوق مقدرتي واستيعابي، ولكنه تكلل بالنجاح في نهاية المطاف، لأنعم بعطلة صيفية هادئة بعد سنوات الحرب، ما زلت أحتفظ منها بأجمل ذكرياتي. ولكن سرعان ما استيقظنا على صراخ أبي وهو يعلن أن العراق “لن تقوم له قائمة بعد الآن”. في تلك اللحظة لم أكن مهتمة بصراخه، كانت عيناي معلقتان بالسماء تحدقان في غيوم جميلة كانت تقطّع السماء في خطوط متوازية ومتقاطعة، “ما أجملها” قلت بصوت مرتفع، ليأتي الجواب الصادم من أخي “يا غبية، هذه ليست غيوم، إنها طائرات حربية”!

 

لا أذكر جيداً ما حصل بعد ذلك، ولكنني لا أنسى الشاحنة الكبيرة التي حملت أثاث منزلنا لننتقل مجدداً إلى حي آخر. وسرعان ما خلت المحلات من المنتجات، ولم بعد باستطاعتنا شراء الحلوى أو الفواكه أو اللحوم. وعند إلحاحي وتذمّري وبكائي، كان يأتي الجواب: إنه الحصار.. إنه الحصار”.. مؤكدين أنه سيذهب سريعاً وستعود الحلوى. لم أجرؤ على السؤال عن هذه الكلمة التي كانت تتكرر دائماً، تظاهرت بأنني فهمت حتى لا ينعتني أخي بـ”الغبية” مجدداً، حينها كنت أعرف أن الحصار شرير ضخم البنية مفتول العضلات يمنع أصحاب المحلات من جلب البضائع. وكبرت ولم يذهب الحصار، وتخرّجت من الثانوية ولم يذهب الحصار!

 

لم آكل الحلوى التي كنت أنتظرها، ولكن لا بأس، فقد كبرت على الحلوى، وبات عليّ التفكير في أشياء أكثر أهمية؛ ماذا سأرتدي السنة القادمة في الجامعة؟ كيف ستكون الجامعة؟ هل سأدرس العلوم السياسية أم القانون؟ هل سيوافق إخوتي أم لا؟ أسئلة كثيرة كانت تدور في رأسي، أجوبتها معلقة بموعد التقديم على الجامعة. أذكر ذلك اليوم جيداً، لا يمكن أن أنساه، كنت أتلعثم خجلاً وخوفاً وأنا أخبر عائلتي بأنني أريد أن أدرس العلوم السياسية. لا أذكر أنني أكملت العبارة، باغتتني سلطة العائلة وقوانين المجتمع المجحفة الظالمة التي لم يكن بيدي معارضتها. أصبت بالدوار وأنا أحاول التقاط العبارات من أفواه والدي وإخوتي “الجامعة ليست للبنات.. وهل أنت بحاجة للوظيفة؟”. فيما راح أحدهم يروي قصة عشيقة صديقه طالبة الجامعة، وآخر راح يتحدث عن بنت الجيران، الطالبة الجامعية، التي انتحرت، وآخر يضحك مشككاً بقدرتي العقلية على فهم الدروس والمحاضرات الجامعية. وسرعان ما أغلق الموضوع نهائياً، وتقرر اكتفائي بالشهادة الثانوية، وعدم إكمال الدراسة!

 

تألمت كثيراً، وكان الحزن يخنق حنجرتي وأنا أحاول الحديث بضحكات مزيفة لأثني على ملابس صديقاتي الأنيقة والمتوافقة مع الحرم الجامعي وأجواء الجامعة. حاولن نصيحتي، وأنا التي لطالما نصحتهنّ، بالعدول عن القرار وإكمال دراستي. وكان جوابي لهنّ بأنني صاحبة القرار ولا رجعة عنه. لم أرغب برؤية نظرة الشفقة على وجوههنّ، كما لم أرغب بتكريس صورة سلبية ورجعية عن عائلتي. لم يتقبّل عقلي حينها أن يكون أبي وإخوتي مخطئين، وأقنعت نفسي بأنهم لا بدّ كانوا على صواب، واختاروا الأصلح لي، ومنعوا عني شراً محتماً وذئاباً بشرية، لا بدّ أن الخلل كان في المجتمع، لا في عائلتي التي أنتمي إليها وأحبها فوق كل شيء، فوق أحلامي وطموحاتي. وهكذا اخترت طريق الطاعة لمشيئة العائلة، رافضة الحياد عنه.

 

استسلمت لمشيئة العائلة في كل شيء، فعند خطبتي كان القرار الأول والأخير للعائلة، فهي أعلم بمصلحتي. لقد كانت سعادتي تُبنى مع ملامح الفخر التي ترتسم على وجوه إخوتي، وشموخي يكبر كلما رأيت ابتسامة الرضا على ثغر والدي.

 

كان يفترض بعد زواجي أن أنتقل إلى العاصمة، حيث كان يمكن أن تتغير حياتي جذرياً، فبغداد أكثر انفتاحاً وأعراف القبيلة أقل سطوة فيها، وربما كانت شبه معدومة. ولكن أحداث الاحتلال توالت وقت زواجي، فلم أقم حفلة ولم أسافر لشهر عسل كما تحلم كل عروس، بل حتى الأنشطة البسيطة، كالخروج إلى المطاعم أو الحدائق كانت متعذّرة، فالشوارع تكاد تخلو من المارة. وهكذا زادت وحشة الغربة من غمّي وألمي. في تلك الفترة شكّلت الكتب مهرباً لي من قسوة الواقع، وغدت عالمي الخاص، كنت أسافر وأدرس وأضحك وأرقص على صفحاتها، كنت أعيش البطولة مع فصول الروايات، ففصل أشرد فيه مع النوارس وأتنفس البحر، وفصل أركب فيه الخيل، وفصل أسير فيه في ممرات الجامعة بين الطلبة، عشت الخيال مع الروايات هرباً من نشرات الأخبار المثقلة بالانفجارات ورائحة الموت والصراعات السياسية.

 

أعقبت الاحتلال أحداث طائفية وقتل متبادل، ولكنني لم أكترث لكل ذلك ولم أندب حظي، فحياتي ليست ملكي، فمهمتي هي تكوين أسرة، دون أن تكون لي مطالب خاصة. بل إنني لم أتجرأ على طلب السعادة أو الراحة، لأنني لم أكن أعلم أنها حق مشروع لي، كنت أعتقد أن المرأة كالشجرة، تبدأ بذرة، ثم نبتة، ثم شجرة تطرح الثمار إلى أن تشيخ وتهرم، وتلك هي سنّة الحياة!

 

استقرت أوضاع البلد نوعاً ما، وبدأت بعض المعالم العمرانية تنمو بسرعة مع دخول شركات استثمارية، وشيئاً فشيئاً أخذت الحياة تعود إلى طبيعتها، وبدأ الكثير من الناس بالسفر والهجرة لدول أخرى. وبعد فترة وجيزة توفي والدي وأخي، وهاجر أخ آخر بعيداً.

 

وذات زيارة للأخ الوحيد المتبقي لدي، اكتشفت اختراعاً عجيباً، لم يكن يخلو منه منزل إلا منزلي، الهاتف! وسرعان ما بات امتلاك هاتف مطلبي الأول، ولكنه قوبل بالرفض! ولكن بعد فترة قصيرة أهداني أخي هاتفاً. كانت فرحتي به أكبر بكثير من الروايات التي كنت أعيش من خلالها، كان مصباح علاء الدين، فيه جميع الكتب والروايات والمقالات وكل شيء، ما عدت مضطرة لتخيل السير في الجامعة، كنت أشاهدها أمامي على شاشة الهاتف. وجدت فيه سعادة عظيمة، تعلمت منه قرأت واستمعت لكبار العلماء، وسافرت إلى أبعد الحدود، سرت في أشهر المتاحف، وتلقيت المعلومات من أرقى الجامعات، وتجوّلت في منازل الرؤساء، وركبت الطائرات، وزرت الفضاء، وجبت مختلف أرجاء العالم، وتعرفت على تاريخ دوله، وتطفّلت على خصوصيات سكانه وأنماط معيشتهم وعاداتهم وتقاليدهم وطعامهم وثيابهم. كانت تلك الأشياء هي ما تشغل تفكيري وتشد انتباهي، لم يلفت نظري فستان أو قصة شعر أو برنامج تافه، أو أية وسائل تسلية رخيصة.

 

كنت طوال سنين حبيسة البيت، ما جعل مني شخصية قليلة الكلام، فكلامي كان يقتصر على بضع كلمات مع صاحب محل عند شراء حاجة، أو طبيب أشرح له مرضاً، أو تحية ألقيها على جارة من بعيد. كان الاستماع هو ما أجيده، ولسنوات عديدة التقط عقلي كل معلومة مرت به بسرعة عجيبة، فأصبح لدي خزان هائل من المعلومات في مجالات شتى، فلم أترك مجالاً علمياً لم أغص فيه. وسرعان ما اكتشفت أنني كنت طوال تلك السنوات كفيفة، لقد غير هذا “المصباح السحري” حياتي، وأنار بصيرتي، وحل عقدة من لساني، وأدركت أن لدي حقوقاً ودوراً في الحياة يجب أن ألعبه، وأن خدمة العائلة ليست واجباً، بل فضلاً أقدمه، وأن المرأة كالرجل، لها حق التمني والسعادة.

 

أتممت ثلاثة عقود من عمري وأنا أجهل حقوقي وواجباتي، وكان كل ما أنتظره مقابل ما أقدمه، هو كلمة مودة تجبر خاطري. لقد أدركت أن امتثالي للأوامر كما كنت طفلة قد انتهى، وأن لي الحق في أن أكون سيدة نفسي، وزادت قوتي عندما استلمت مبلغاً من المال كان عوض نصيبي من إرث والدي. وضعت كيس النقود أمامي، وتذكرت شقاء والدي، وكيف كان رجلاً عصامياً استطاع أن يبني نفسه بنفسه. كان يردد جملة لا أنساها أبداً: “في كل دينار قصص وذكريات”. وعندما كان يقولها كنت أعرف أن أحد إخوتي كان يبذّر المال. استوقفتني الجملة وقررت أنني لو اشتريت بهذا المال سيارة أو مجوهرات فلن أحقق شيئاً، محض مظاهر زائلة لن تضيف لي شيئاً، وسرعان ما ستفقد قيمتها وتصبح قديمة. وهكذا فكرت في استثمار المال وزيادته، فذهبت إلى مصباحي السحري بحثاً عن ضالتي، وبحثت في مواقع كثيرة عن عروض لأراضي صغيرة في مناطق متطرفة، تطلّب الأمر مني المجازفة، وكان عليّ مراقبة الأسعار ومتى ترتفع ومتى تنخفض، وفي أي منطقة يحصل ذلك. بحثت ٤٥ يوماً دون توقّف واستطعت في النهاية جمع كل ما أردت من معلومات، وسجلت العروض وأرقام الهواتف. كنت كمن يعمل في البورصة، أراقب الأسعار طوال اليوم، وأترقّب العروض، وسط سخرية من حولي مني، وتأكيدهم على أنني سأفشل، وأن الموضوع “ليس بهذه البساطة”، فهو يحتاج خبرة، ويحتاج رجلاً!

 

لم أستمع لأحد، اكتفيت من الاستماع والامتثال طوال سنين عديدة، كنت مصرة على المجازفة، فالمال مالي وأنا حرة التصرّف به. وكعقاب لي، انسحب الجميع من حولي، وأعلنوا أنهم لن يمدوا لي يد العون إذا ما وقعت في ورطة ما. جعلني ذلك أشد إصراراً على المضي قدماً، وزادني قوة وحافزاً، وهكذا قررت شراء قطعة أرض صغيرة جداً، ولكنني ما كنت أمتلك ثمنها كاملاً، وكان العرض مغرياً والموقع ممتازاً، فقررت المجازفة بكل شيء، وذهبت إلى الصائغ وبعت كل ما أرتديه من مجوهرات، وأكملت المبلغ المطلوب، وأتممت العقد، الذي كان أول عقد أبصم عليه بكامل إرادتي، وبموافقة كلية مني، كنت فيه وحدي صاحبة القرار بالقبول أو الرفض. شعور لن أنساه ما حييت، ونجاح أفتخر به وإن كان في نظر الجميع عملاً بسيطاً، ولكن كان بالنسبة لي إنجازاً عظيماً.

 

انتظرت قرابة نصف عام، وأنا أعرض أرضي في مواقع عديدة، وأتلقى اتصالات كثيرة، وبتوفيق من الله، استطعت أن أبيعها وأربح فيها عُشر ثمنها، وخلال فترة عرضها كنت أبحث عن عروض أخرى وأراقب الأسعار، وشيئاً فشيئاً رحت أقترب من المدينة، وطوال أربع سنوات كنت أعمل من منزلي، وفي النهاية حققت غايتي التي كنت أصبو إليها، فاشتريت شقة صغيرة في منطقة شعبية قديمة. صحيح أن الرطوبة كانت تأكل جدرانها؛ ولكن هذا لا يهم، فأنا لن أعيش فيها، ثم إن هذا ما يتوافق مع إمكانياتي المحدودة.

 

كان إيجار الشقة القليل كفيلاً بتأمين دخل مستمر لي. ومع أول دفعة إيجار استلمتها، وكانت عن شهرين متتالين، كان بإمكاني أن أشتري بها خاتماً وحلقاً، ولكن هيهات، فليس هذا ما كنت أنتظره. فلدي هدف يجب أن أحققه، وبهذا المورد بات يمكنني أن أتقدم إلى أي جامعة وأكمل دراستي وأتفوق فيها. قوبل قراري بتعليقات صادمة مجدداً، كنت قد سمعتها قبل سنوات طويلة، ولكن هذه المرة كنت مختلفة. ولم أصغِ لتلك القرارات وذهبت إلى أقرب جامعة، وقدمت جميع أوراقي. فرحتي بالتوقيع على طلب الانتساب إلى الجامعة كانت أضعافاً مضاعفة عما كانت عليه عند التوقيع على عقود البيع والشراء. إنه العلم الذي لا يعوّض ولا يقدّر بالمال. وطوال طريق العودة إلى البيت كانت سعادتي لا توصف، ولم تنجح محاولاتي لإخفاء الابتسامة عن وجهي!

 

انتظرت بشوق بدء العام الدراسي، لأعيش الجامعة حقيقة لا خيالاً على صفحات الروايات. وبدأت الجامعة وبدأ معها مشوار التفوّق، كانت الابتسامة لا تفارقني منذ شروق الشمس حتى نومي، كلما استيقظت ووجدت الكتب بجانبي كنت ابتسم وأمد يدي لأي كتاب وأقبّله وكأنني أشكره مبدية الامتنان. لا أذكر أنني تغيبت يوماً عن محاضرة، كنت أول الواصلين وآخر المغادرين، حتى أن زملائي كان يستغربون فرحتي وإقبالي على الدراسة والتفوّق. لم أجلس معهم في الكافتيريا ولم أبادلهم الحديث إلا بما يخص المواد الدراسية. طُرحت عليّ أسئلة كثيرة، وانتقادات أكثر عن سبب كل هذا الشغف بالعلم، ولماذا كل هذا الاهتمام، فحسب قولهم، “لا أحد منا لن يتخرّج، كلنا سواسية، والامتياز لا يفرق عن المقبول عند ممارسة العمل أو شغل وظيفة”. كنت أردّ عليهم بابتسامة، وأومئ برأسي كأنني أوافقهم الرأي، ولكنني شجرة، أعود إلى جذوري لأستمد منها القوة والثبات، مرددة في داخلي جملة والدي “في كل دينار قصص وذكريات”، لن أقبل أن يكون المقابل نجاحاً عادياً، يجب أن يكون مميزاً، معادلاً لما بذلته من سنوات وانتظار وتعب.

 

سار كل شيء كما أردت، ونجحت في السنة الأولى بتفوّق وكنت من الأوائل، أما السنة الثانية فكانت مغايرة للأولى، فقد توالت أحداث سياسية كثيرة دفعت بالشباب إلى ساحات التظاهرات، وعُلّق الدوام حتى إشعار آخر، ثمّ تفشى وباء كورونا ليكمل على باقي مؤسسات الدولة، وتغدو الحياة شبه متوقفة. ولكن لم تنجح هذه الظروف بإيقاف شغفي، فاستغليت هذه الأوضاع في التوجّه إلى التعليم الإلكتروني وإقامة الندوات والورشات التدريبة على مستوى دولي، حيث شاركت في أنشطة عديدة، وتابعت محاضراتي في جامعتي، وذهبت إلى جامعات أخرى مغايرة لاختصاصي مستمعة وضيفة. أحببت هذه الفكرة، وأكسبتني كماً كبيراً من المعلومات، وفتحت لي أفاقاً أرحب. كنت أقحم نفسي في حوارات عديدة مدافعة عن وجهة نظري. من ذلك مثلاً مجادلتي أغلب أساتذتي، الذين يلقون باللوم على التطوّر العلمي والإنترنت، ويرون أنه كان سبباً في التفكّك الأسري، حيث كنت أرى أن الإنسان هو من يتحكم في الجهاز وليس الجهاز هو المتحكِّم، ولكل شيء جانب مفيد وجيد، حتى البلاء عندما يقع على الإنسان فإنه لا يخلو من فائدة ما.

 

أتممت أربع سنوات، وبدأت أكتب بحث التخرّج، وكان على كل طالب أن يهدي نجاحه لشخص ما، مثمناً جهوده ومساندته له في رحلته التعليمية. أمسكت القلم وأخذت أفكّر، لمن أهدي ثمرة نجاحي؟ إذ لا يوجد من وقف معي أو شجعني أو وثق من إمكانياتي إلا نفسي! هي كانت السند الحقيقي. وهكذا بدأت السطر، وكتبت: أهدي بحث تخرجي هذا لنفسي، التي تحمّلت الصعاب وواجهت التحديات لأكون ما أنا عليهِ اليوم، بفضل الله وتوفيقه. وهكذا أكملت الإهداء غير عابئة بالانتقادات التي رأت فيّ شخصاً مغروراً وناكراً للجميل.

 

أنا ممتنة لنفسي، التي استطاعت أن تقاوم رياحاً كثيرة هبت عليّ، وصمدت بوجهها. وما دامت جذوري قوية متماسكة، وجذعي ثابت شاهق؛ سأستمر بالصمود رافضة الانحناء!