ملاحظات حول الخطة الوطنية العراقية الثانية لتطبيق القرار ١٣٢٥

أمل كباشي

لعبت الحركة النسائية ومنظمات المجتمع المدني دوراً بارزاً في الخطة الوطنية الأولى بالمساهمة بصياغتها، ورصد الإيجابيات والسلبيات في عملية التنفيذ ثم في تقييم مستواها ككل، كما شكلت جزءاً مهماً ضمن هيكلية الفريق الوطني المتعدد القطاعات للقرار ١٣٢٥. كما سعت لبذل جهود استثنائية في مراحل إعداد المسودة للخطة الوطنية الثانية، وعقدت العديد من الجلسات الحوارية وورش العمل والمؤتمرات من أجل الخروج برؤية وطنية لتعزيز دور النساء العراقيات في إعادة الاستقرار وبناء السلام ومكافحة الإرهاب والتطرف، وأهمها مخرجات مؤتمر منظمات المجتمع المدني المنعقد في شباط ٢٠٢٠ في أربيل، والتي لم يتم أخذها بعين الإعتبار.

 

لكن من اللافت الدور الضئيل والمحدود جداً لمنظمات المجتمع المدني في تنفيذ الخطة الوطنية الثانية، على الرغم من اتساع مساحة الشركاء على المستوى الوطني والدولي، ولاسيما نشاطهم في مجال التوعية والتمكين، وفهمهم لاحتياجات النساء، وقدرتهم على التواصل والتأثير في المجتمعات المحلية. فلابد من مراجعة جادة لدور منظمات المجتمع المدني في تحقيق أهداف خطة العمل الوطنية الثانية. كما نأمل بإعطاء المزيد من الوقت للتشاور حول مضمون الخطة، الذي اتسم بالعمومية والتداخل في الأنشطة، وغياب الآلية المعنية بالمتابعة والتقييم، وعدم تخصيص الموارد اللازمة لتنفيذ الخطة، وعدم مقاربة مؤشرات القياس للمعايير الدولية.

 

يمكن أن ‌‌‌أشير إلى ملاحظات شبكة النساء العراقيات وشبكة المرأة للسلام (تحالف القرار ١٣٢٥) حول الخطة الوطنية الثانية التي قدمت من خلال مذكرة إلى الأمانة العامة لدائرة تمكين المرأة في آذار ٢٠٢١ كما يلي:

 

١. رغم إصدار الأمر الديواني رقم ٣٣٦ في ٨/١٢/٢٠٢٠ بتشكيل المجلس الوطني لشؤون المرأة، إلا أننا لم نلمس له تحركاً ملموساً على أرض الواقع، ولم يجرِ توفير الموارد البشرية والتخصيصات المالية اللازمة له ضمن الموازنة الاتحادية، لضمان تنفيذ الخطة الوطنية الثانية.

 

٢. أشارت الخطة إلى إصلاح القطاع الأمني، وأوكلت المهمة إلى مستشارية الأمن الوطني. نرى أن الأمر بحاجة إلى تحديد ماهية التوجهات لهذا الإصلاح في إطار مشاركة النساء في بناء السلام وحمايتهن من كافة أشكال العنف القائم على النوع الإجتماعي والعنف الجنسي، فالأمر يستلزم إرادة سياسية ومشاركة مجتمعية ونسوية.

 

٣. تضمنت ركيزة المشاركة في الخطة أنشطة لبناء قدرات النساء في القطاعات الحكومية المختلفة، وخاصة الأمنية والأحزاب والقيادات المجتمعية، في مجال القيادة والتفاوض وإدارة النزاع، لكنها خلت من تحديد نسب مشاركتهن وإدماجهن في عمليات صنع القرار في السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والأمنية، وأدوارهن الفاعلة في لجان التعايش والسلم المجتمعي على المستوى المحلي والوطني.

 

٤. اتسم محتوى ركيزة الحماية بالعمومية في توفير آليات الحماية لضحايا العنف الجنسي أثناء الصراعات المسلحة ومعالجة أوضاعهم، دون تفصيل لأنواع العنف وأشكاله المختلفة، وتحديد أسبابه ومعالجتها. لابد أيضاُ من تسليط الضوء على تأثير النزاعات في ترسيخ الصور النمطية والممارسات الضارة ضد النساء والفتيات، والتي أصبحت ظواهر اجتماعية سلبية، كالزواج خارج المحكمة والزواج القسري وزواج الطفلات وارتفاع هائل في نسب الطلاق والتحرش، والحرمان من الحقوق كالتعليم والعمل وتقييد الحريات.

 

٥. تحتاج عملية إعادة الاستقرار والتماسك الإجتماعي إلى بيئة قانونية منصفة تعالج نتائج النزاعات وتبعاتها على النساء والفتيات، من خلال التأكيد على تشريع قوانين مراعية للنوع الاجتماعي، كقانون مناهضة العنف الأسري، وقانون منع التمييز وحماية التنوع، وقانون الناجيات من إرهاب داعش، وتعديل القانون الجنائي، بما ينسجم مع توجهات الخطة الوطنية.

 

٦. غياب ركيزة الإغاثة والإنعاش، وهي الأساس في عملية بناء الأمن والسلام، التي ينبغي أن تلبي احتياجات النساء والفتيات والفئات الضعيفة من النازحات بضمان عودة آمنة وطوعية لهن، وتوفير الخدمات والبنى التحتية في مناطق العودة، وإشراكهن في برامج التمكين الاقتصادي وإعادة الإعمار، وكذلك مشاركة النساء واستثمار جهودهن في دعم الأمن المجتمعي، من خلال وضع آليات للعدالة الانتقالية والمصالحة المجتمعية والتعايش السلمي، ومكافحة الإرهاب والتطرف في العراق.

 

٧. من الملفت تبني الخطة لمفهوم الإنذار المبكر، ووضع أنشطة تصوره جهازاً إدارياً تنفيذياً قائماً بذاته، يمكن فيه تعيين النساء وانخراطهن فيه، مما يعكس قصوراً في فهم هذه الآلية التي يرتكز عليها منع النزاعات وتحويلها. فهي آليات متنوعة مجتمعية وأكاديمية وبحثية راصدة للتغيرات التي من شأنها أن تثير نزاعاً في المجتمع أو تحرك الصراع. نرى أن جندرة هذه الآليات تعتمد على إشراك النساء بنسبة لا تقل عن ٤٠ بالمائة في مجالس مجتمعية استشارية للتعايش وبناء السلام ولجان المصالحة الوطنية، من خلال تنوع مصادر المعلومات، ومناهج تحليل كمية ونوعية، مع آليات تواصل واتصال فعالة، تكون قادرة على الرصد والمتابعة والتحليل لعناصر الصراع بشكل يتوافق وتوجهات الخطة الوطنية في تعزيز المساواة بين الجنسين ضمن هذه الآليات.

 

٨. أغلب مؤشرات القياس في الخطة الوطنية اعتمدت على الرؤية الكمية للإنجاز، دون التركيز والمقاربة للمؤشرات النوعية في تتبع تأثير تطبيق قرار مجلس الأمن ١٣٢٥. فلابد أن تنسجم المؤشرات مع النتائج، كمستوى ونوع مشاركة المرأة السياسية البرلمانية أو تولي المناصب القيادية في السلطة التنفيذية والهيئات الوطنية المستقلة، وإفساح المجال لمشاركتها في المؤسسة الأمنية، ومستوى تمثيلها بلجان الوساطة والتفاوض وإدارة النزاع، ووضع الإجراءات للحد من كافة أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي أثناء النزاعات.

 

٩. إن الخطة الوطنية للقرار ١٣٢٥، بحاجة إلى وضع رؤية إعلامية للترويج لأهدافها، وتعيين فريق إعلامي خاص بها، بمستوى عالي من الفهم لمضامين أجندة المرأة والأمن والسلام والنوع الاجتماعي، وبمشاركة المؤسسات الإعلامية العامة والخاصة.