دلال الحسن: قصة نجاح “من التخبط مع التحديات إلى رائدة في قيادة النساء إلى الإنتاج والاستقلالية”

ولدت دلال عزيز الحسن عام ١٩٩٣ في قرية الجرف في محافظة نينوى، ناحية النمرود، حيث يمر نهر دجلة وتكثر الأراضي الزراعية. نشأت دلال في محيط تحكمه العادات والتقاليد والظروف الصعبة، وفي بيئة زراعية ساهمت في نمط عيشها كطفلة.

 

بعد نجاحها بتفوّق في المرحلة الابتدائية، قلقت دلال بسبب مسألة السماح لها بإكمال المرحلة المتوسطة، لأنّ العديد من الفتيات في محيطها مُنعن من إكمال الدراسة بعد المرحلة الابتدائية من قبل آبائهن أو إخوتهن أو أعمامهن. تقول دلال: “كنت أتمنى أن يتوقف الزمن ولا تنتهي مرحلة امتحانات الصف السادس. كيف لي أن أترك الكتب وأجلس في المنزل لأغسل الصحون وأنظّف وأتعلّم الطهي؟” فبنظر الأسرة، ليس للفتاة مستقبل سوى الزواج. لكن مخاوف دلال سرعان ما تبددت، عندما أبدى أبوها وأمها سعادتهما باهتمامها بإكمال دراستها وشجعاها على ذلك من غير تردد. لذلك ازدادت ثقة دلال بنفسها كثيرًا ولم تعد تهمها العادات والتقاليد السائدة، فأكملت دراستها المتوسطة ثمّ الإعدادية، ولكن الأمر لم يخلُ من مواجهة التحديات أثناء مسيرتها التعليمية. ففي عام ٢٠٠٣ تعرّضت ناحية النمرود إلى عمليات إرهابية بعد سيطرة تنظيم القاعدة، وأصبحت المنطقة تتعرض إلى عمليات خطف وقتل وتهديد. ساء الحال كثيرًا بحيث أصبحت المنطقة تصدّر عناصر القاعدة فتُغذّي هذا التنظيم بالإرهابيين، وكذلك الحال عند دخول داعش وسيطرته على هذه الناحية. كانت الفتيات يعشن في واقع صعب للغاية. بالإضافة إلى منعهن من التعليم، كان تزويج القاصرات شائعًا في المجتمع المحلي.

 

التحقت دلال بجامعة الموصل حيث انتسبت إلى كلية التربية، قسم العلوم النفسية والتربوية. في عام ٢٠١١، سيطر تنظيم القاعدة على الموصل فباتت ظروف العيش صعبة جدًّا. تذكر دلال الوضع المأساوي والقتل العشوائي الذي كان يحصل، لكنها ثابرت في دراستها، حيث تسنى لها أن تختلط بالعديد من الزملاء والزميلات من مختلف مكونات نينوى، كما بدأت تقرأ الكتب وتثقّف نفسها. لكن في سنتها الرابعة والأخيرة في الجامعة، سيطر تنظيم داعش على نينوى وتوقّف التعليم. قضت دلال ثلاثة أعوام محاصرة مع أسرتها في البيت، كمثل كل السكان. كانت الظروف في غاية الصعوبة، بحيث أنهم في بعض الأحيان كانوا يبقون ليومين أو ثلاثة أيام من دون طعام. كان الهروب شبه مستحيل؛ فمن ناحية، كانت أساليب داعش القمعية تحاصرهم، ومن ناحية أخرى كانوا يعانون من القصف الجوي للمنطقة بالطيران الحربي. في أواخر عام ٢٠١٦، دخلت القوّات الأمنية المنطقة وتم تحريرها. تمكنت دلال بعدها من إكمال دراستها الجامعية وتخرجت فيما بعد بتفوق.

 

بعد التخرج، تمكنت من إيجاد وظيفة مع منظمة “UPP الإيطالية“. بدأت تشتغل في هذه المنظمة الدولية التي تعمل في مجال التماسك الاجتماعي وتعزيز حقوق المرأة. لم تكن دلال تعرف أيّ شيء في هذا المجال، لكنها تلقت عدة تدريبات وتعلمت بسرعة. تم اختيارها لمنصب مديرة مركز النمرود لمشروع “معًا للسلام”، وهكذا بدأت عملها في مجال التغيير المجتمعي. ساهمت دلال بتثقيف ودعم ومساعدة أكثر من ثلاثمائة امرأة، ولا زالت تدعم النساء في قريتها حتى اليوم. هناك العديد من قصص النجاح، خاصة أن العديد من النساء أصبحن يعملن في تسويق مشاريعهن بعد أن ساهمت دلال باستقطابهن إلى المركز وتعليمهن المهن الحرفية. هناك أيضًا العديد من النساء اللواتي انخرطن في المجتمع المدني وأصبحن يدافعن عن حقوق المرأة. في البداية، كان العديد من الأهالي ينتقدون دلال كونها تعمل مع منظمات أجنبية، إلّا أنّ أهلها ساندوها ودعموها بقوّة، وكانوا يفتخرون بعملها. استطاعت دلال بعزمها وقوة حجتها أن تساهم في التغيير، واليوم هناك تطوّر في القرى، حيث أصبحت المرأة تستطيع العمل والمشاركة في الأنشطة المجتمعية، لكن بنسب قليلة مقارنة بعدد سكان ناحية النمرود. تمرد دلال على واقع الحال هو الذي أدى إلى تأثيرها على العديد من الفتيات والنساء والمساهمة بتثقيفهن.

 

في يوم، تلقّت دلال رسالة من أحد زملائها يقترح عليها المشاركة في جلسة حول قرار مجلس الأمن ١٣٢٥. سجّلت اسمها في هذه الورشة دون أن يكون لديها أي فكرة عن هذا القرار. لكنها قرأت عنه، وشاركت في ما بعد في مشروع “النساء يتحدّثن عن السلام”. مثّل هذا المشروع جسرًا من الأمل بالنسبة لدلال، حيث تعرّفت على العديد من النساء من كافة محافظات العراق وسمعت قصصهن عن التحديات التي مررن بها وتغلبن عليها. في بادئ الأمر كانت دلال مرتبكة وتشعر بالخجل في التكلم أمام الجميع. لكن هذا المشروع ساهم في إعطائها القوة وفي كسر حاجز الخجل حيث طوّر من امكانياتها ومهاراتها في الحديث أمام المجموعة. بعد الانتهاء من التدريبات، بدأت دلال تقف أمام الجمهور وتتكلم، حتى أنّها قرأت مخرجات “النساء صانعات السلام” في المؤتمر الختامي لمشروع “معًا للسلام”، وكذلك قرأت كلمة عن فعاليات المشروع في محافظة نينوى دون تردد أو خوف.

 

من خلال مشروع “النساء يتحدّثن عن السلام” صارت دلال تعبر عن آرائها بكل ثقة وقوة دون خوف. اليوم، تقود دلال فريقًا مؤلفًا من ١٠٠ موظف ضمن مشروع انمائي للمدارس تابع للأمم المتحدة في منطقتها. كان حلمها أن تكون قائدة في مجتمعها، حلم أصبح حقيقة بفضل برنامج “النساء يتحدثن عن السلام”.

 

 

رسالة دلال إلى المجتمع تقول: “في مجتمعاتنا التي تعاني من الحروب والنزاعات ليس هناك مساواة بين الرجل والمرأة. علينا أن نساهم في تعزيز هذه المساواة وفي كسر كافة الحواجز التي تعيق أحلامنا وتعيق تطوّرنا. باستطاعة المرأة أن تكون أمًّا وأن تكون ربّة بيت، وأن تكون ناشطة مدنية وإعلامية ومعلمة وطبيبة ومهندسة وقيادية وسياسية حسب خيارها هي، وليس حسب خيار المجتمع لها. علينا أن ندعم المرأة من أجل أن تحقق مسيرتها في المجتمع وتساهم في التغيير. فالمرأة تستطيع أن تصنع المعجزات، ورسالتي لكل فتاة هي أن تكسر الحواجز وأن تسير إلى الأمام بقوة وثقة لأنها ستنجح وستكون مبدعة في مجال عملها. أودّ أن أشكر أهلي الذين ساندوني ودعموني ووثقوا بي، وأودّ أن أشكر كادر مشروع “النساء يتحدثن عن السلام” لإتاحتهم لي هذه الفرصة التي اكسبتني خبرة مهمة جدًّا ساهمت في تغيير العديد من الأمور في شخصيتي، وأشكر كلّ الأشخاص الذين يدعمون المرأة في المجتمع العراقي وفي العالم.