بان ميخا: قصة نجاح “صناعة السلام في مواجهة التحديات”

بان نجيب ميخا، من مواليد ٢٥ تشرين الأول ١٩٨٩ في مدينة الموصل. عاشت بان طفولة متنقلة بين الموصل والبصرة وتللسقف. أكملت تعليمها المدرسي في الموصل، حيث كانت تتعرض إلى العديد من مواقف التمييز ضدها كونها تنتمي إلى الديانة المسيحية. تذكر في الابتدائية يوم طلبت معلمة التربية الإسلامية من كل البنات غير المسلمات أن يخرجن من الصف، وتذكر أسئلة زميلاتها في المرحلة الثانوية عن عدم ارتدائها الحجاب بينما مريم العذراء كانت ترتديه. بدأت ثورة بان من خلال شعورها بالتطرف في البيئة التي كانت تعيش فيها، لكن دعم والديها المستمر أمدها بالقوة لكي تواجه كل المعوقات والتحديات التي كانت تتعرض لها. 

 

التحقت بان بجامعة الموصل، كلية الهندسة، ولكن تعرض الطالبات لتهديدات مسلحي تنظيم القاعدة في حال لم يرتدين الحجاب، أدى إلى طلب رجال الدين المسيحيين من الفتيات عدم الذهاب إلى الجامعة لفترة زمنية. بالرغم من كل الصعوبات، حصلت بان في عام ٢٠١٤ على شهادة الماجستير في الهندسة. كان هناك فرصة لكي تمارس الهندسة في الميدان، لكن أبويها رفضا ذلك نتيجة عادات وتقاليد القرية، فبقيت بان في البيت.

 

نزحت بان إلى كركوك في أواخر عام ٢٠١٤ بسبب دخول داعش محافظة نينوى، ثم عادت إلى قرية ألقوش شمال الموصل. بعدها حصلت على وظيفة مدرسة في الجامعة التقنية في محافظة دهوك، وفي هذه الأثناء تزوجت.

 

الشيء الذي جعلها تتمرّد على الخطأ هو حين لاحظت أن المواطن المستقل لا يحصل على أي منصب أو وظيفة يريدها، وأن الشخص المنتمي إلى الأحزاب يستطيع أن يحصل على أي مركز يريده بسهولة. من خلال عملها في الجامعة، كانت بان دائمًا تتكلم بقوة ومن دون خوف، وقد تعرضت لاتهامات في انتقاد رئاسة الإقليم، لكنها واجهتها بشجاعة.

 

في عام ٢٠١٧، اتّصلت ببان جهة حكومية ترشحها لتكون ضمن لجان السلام المحلية التابعة لمكتب رئيس الوزراء بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. حضرت بان أول ورشة في محافظة أربيل مع لجان التعايش السلمي، حيث كان هناك العديد من النساء من محافظة نينوى. كانت كل امرأة تمثل منطقة من المحافظة، وهي كانت تمثل قرية تللسقف. كان هناك اختلافات كثيرة في الآراء السياسية والاجتماعية، لكن بان بدأت تفكر بأن ليس كل الناس سيئون، وما لبثت أن غيرت انطباعاتها. كانت نقطة تحوّل عندها في العمل، حيث بدأت تفكر بأن هناك ناس لديهم فكر سليم تجاه المكونات الأخرى وتجاه النساء أيضًا. بدأت تتعاون مع النساء في لجان السلام فأقمن العديد من الأنشطة والمهرجانات في بعشيقة وجامعة الموصل وتلكيف، ودعمن كافة شرائح المجتمع وساهمن في تعزيز السلام من خلال الأنشطة المجتمعية الكثيرة، منها المهرجانات والبازارات ودعم الناجيات من الناحية المادية والمعنوية.

 

اكتشفت بان مع الوقت أن ليس كل من يعمل في مجال بناء السلام مؤمن بالسلام؛ فالعديد منهم يعملون من أجل أسباب مادية. ذلك، بالإضافة إلى تعرضها إلى مضايقات من العاملين في هذا المجال ومعاناتها من نظرة المجتمع الضيقة، خاصة حينما يرونها في الورش في بغداد وأربيل تنشر صورها مع المسلمات ونساء من مكونات أخرى، إضافة إلى تغير الحكومة الذي أدى إلى حل الفرق التطوعية ولجان الحوار، كلها عوامل أدت بان وزميلاتها إلى العمل على تأسيس منظمة مجتمع مدني عام ٢٠١٩، واستطعن أن يحصلن على إجازة تسجيل في عام ٢٠٢٠. بسبب انتشار فيروس كورونا، لم يقمن إلا ببعض الأنشطة في مخيم شاريا للنازحين الإيزيديين عن التوعية عن فيروس كورونا وتوزيع ملابس العيد للأطفال مع أنشطة تطوعية أخرى.

 

بعد أن أصبح نشاط بان معروفًا على مستوى عدة محافظات، صارت العديد من المنظمات تتواصل معها كونها من الشخصيات المؤثرة. في عام ٢٠٢٠، تواصلت منظمة البرلمان معها حول مشروع “النساء يتحدثن عن السلام”. سرعان ما شاركت بان في أول ورشة معهم، وإلى هذه اللحظة تتذكر المدربة ست هدى التي كانت تعطي تدريبًا حول القضايا النفسية. في بادئ الأمر، تساءلت بان عن علاقة أمور علم النفس ببناء السلام، لكن حين تعمّقت أكثر في اكتشاف الذات، بدأت تحب الورشة وتحب هذا البرنامج. لقد كان تأثير الجانب النفسي من الوعي الجندري عميقًا عندها بحيث تشجعت على فهم نفسها والآخرين. وقد قررت أن تبدأ برنامجًا مماثلًا في المنظمة التي تعمل فيها بعد أن تعلمت أن سر القيادة هو أن تكوني متصالحة مع نفسك قبل أن تتصالحي مع الآخرين، هذا إضافة إلى تلقّيها تدريبات ومعلومات حول القرار ١٣٢٥. وفي ورشة العدالة الانتقالية التي لم تكن تعرف شيئًا عنها من قبل، تحمست كثيرًا إلى درجة أنها فكرت بأن تخرج فور انتهاء التدريب لنشر هذا المبدأ. تعرّفت بان على العديد من النساء؛ فالتدريبات الافتراضية كانت تضمّ العديد من النساء من مختلف محافظات العراق ومن مختلف الأديان والقوميات، وبدأت تتعرف إلى العديد من القصص والعديد من التجارب، ما أدى إلى تطورها على الصعيدين الشخصي والمهني. اكتشفت بان أن رغم اختلاف المسميات، قصص النساء ومصاعبهن وأهدافهن واحدة.

 

تعلمت بان العديد من الأمور، كيف تكون صانعة قرار وكيف تستطيع أن تشارك في العملية السياسية؛ فالتدريبات التي وفرتها منظمة البرلمان كانت في غاية الأهمية بالنسبة لها. وهي تتمنى أن يتم تطبيق كل ما أخذته في الورش من خلال مبادرات على أرض الواقع من أجل صناعة التغيير.

 

رسالة بان للمجتمع العراقي والمجتمعات تقول: “يجب أن يكون هناك دعم للمرأة سواء من زوجها، أهلها، إخوتها، زملائها، أو أصدقائها. من الضروري جدًّا أن يتم إشراك المرأة في عمليات السلام وأن يتم توفير كافة أنواع الدعم لها وإشراكها في المجتمع بصورة عامة. فلو كان هناك شعور بالانتماء للوطن والهوية الإنسانية سنكون بخير دائمًا، لأنّ الانتماء ضروري من أجل تقديم الخدمة إلى المجتمع الذي نعيش فيه، وإن التمرد أيضًا ضروري في التخلص من الترسبات والتقاليد التي تعيق إبداع المرأة ومشاركاتها في المجتمع”.