المرأة العراقية في محل القيادة وصنع القرار السياسي

فاطمة نعمة

شهد العراق تغييرات جذرية في نظامه السياسي نتيجة للصراعات العديدة التي مر بها، والعقوبات الاقتصادية التي
تعرض لها، والاحتلال الخارجي الذي أثقل كاهل البنى التحتية، والمؤسسات التي تم تدميرها. كل هذا أدى بالعراق إلى أن
يصبح بلد غير مستقر، تسوده بيئة صراع وتتشكل فيه أزمات تغذي بعضها البعض وتؤثر على الأمن والاستقرار
الدوليين. وأصبح من الضرورة بمكان مناقشة وتحليل هذه الأزمات ومنها أزمة القيادة ومشاركة المرأة في بناء الدولة.

 

 

تبلغ نسبة النساء ٤٩٪، ونسبة الرجال ٥١٪ من سكان العراق. ومن الملحوظ غياب النساء عن مجالس اتخاذ القرار
وصنع السياسات الحكومية. فعلى الرغم من التقدم الملحوظ الذي حققته المرأة في السنوات الأخيرة في مختلف المهن
والقطاعات، إلا أن السياسة ليست واحدة منها. ومع ذلك، فليس بالأمر غير المألوف أن يرى العراقيون المرأة العراقية في
مناصب قيادية في هياكل الدولة، وخصوصاً أن الدستور العراقي يلزم الأحزاب السياسية بتخصيص ربع مقاعد البرلمان
للنساء حتى لو حصلوا على أصوات أقل مقارنة بالرجال، وفق نظام الكوتا.

 

المرأة والقيادة:

 

عندما انعقد أول مؤتمر عالمي للأمم المتحدة حول المرأة والقيادة في المكسيك في عام ١٩٧٥، تم تذكير المجتمع الدولي
بأن التمييز ضد المرأة يمثل مشكلة مستمرة في العديد من البلدان. وعلى الرغم من الدعوات الموجهة للحكومات لوضع
استراتيجيات لتعزيز مشاركة متساوية للمرأة والرجل، إلا أنه لم يتم تحديد المشاركة السياسية كأولوية. وخصص مؤتمر
بكين في سبتمبر ١٩٩٥ مساحة كبيرة لمحور وصول النساء لمراكز السلطة ومواقع صنع القرار، ونص المؤتمر في بيانه
على إجراءات عملية موجهة لجميع الأطراف المعنية، سواء كانت الأمم المتحدة بهيئاتها المختلفة أو الحكومات أو
منظمات المجتمع المدني، من أجل زيادة تمثيل المرأة وأدوارها القيادية وتأثيرها في هياكل صنع القرار، إلا أن ذلك
المؤتمر لم يتولد عنه نتائج فورية.

 

ورافق هذه التطورات، تركيز الدراسات المعاصرة على أهمية القيادة النسائية كأحد أشكال الإدارة، حيث هيأت البيئة
الدولية للمرأة الفرصة للقيام بأدوارها أثناء التحولات الديمقراطية، مما انعكس إيجاباً على مشاركة المرأة في الحياة
السياسية على المستوى الدولي، وهذا بدوره تطور ديمقراطي هام يُسهم في استدامة عمل مؤسسات الدولة، وجعل البلاد
أكثر سلامًا، حيث تميل النساء بشكل أقل إلى استخدام القوة والعنف والحرب في حل النزاعات.

 

هناك أمثلة متنوعة تظهر الدور الهام للقيادة النسائية في المشاركة السياسية وإدارة الدولة، كما في حالة إصلاحات رواندا
عام ٢٠٠٣ والسويد عام ٢٠٠٤ ودول أخرى ضمنت مشاركة المرأة في قيادة الدولة. ويعد إنتاج قدر أكبر من التعاون
بين الدول والتعاطف بين الشعوب لحل العديد من المشاكل العابرة للدول والقارات-مثل العنف وعدم المساواة- من أهم
نتائج مشاركة المرأة في السياسات الوطنية والدولية.

 

مشاركة المرأة العراقية في الحكومة الحالية:

 

سادت العراق منذ تأسيس الدولة عام ١٩٢١، وبعد نيل استقلاله عام ١٩٣٢ بيئة مليئة بالصراعات، وعانى هذا البلد من
أزمات عرقلت عملية بناء الدولة. منذ ذلك الحين، ومع توالي أنظمة حكم مختلفة، لم يكن للمرأة العراقية دوراً سياسياً
قيادياً في عملية بناء الدولة ولا شغلت مناصب عليا فيها، كرئيس دولة أو حكومة أو وزير، لا في النظام الملكي ولا حتى
في الجمهوري. ونتيجة لذلك، لم تختبر المرأة العمل في العلاقات الدولية مثلاً، أو تنفيذ السياسات الخارجية أو الداخلية
للعراق.

 

 

وفي معنى المشاركة الهادفة للمرأة، تقول نائب الممثل الخاص في بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق أليس وولبول:

 

“أن المشاركة الهادفة للمرأة لا تعني فقط زيادة عدد النساء في الحياة العامة رغم أنها بداية جيدة، بل إنها تعني أيضًا

السعي لسن تشريعات لصالح المرأة، وتعني الممارسة السياسية التي تعالج قضايا المرأة كالعنف الأسري، وتعني إزالة

العوائق التي تحول دون المشاركة على قدم المساواة في صنع القرار”.

 

ومع تزايد اهتمام الهيئات الدولية المعنية في العقود الثلاثة الماضية بقضية المساواة بين الجنسين، والتعامل مع هذه
القضية باعتبارها مسارا أساسياً في تحقيق التنمية العادلة والشاملة، أصبح لهذه الأصوات صدى مسموع في التوجهات
الوطنية. فرأينا في الآونة الأخيرة بعض التغييرات الملموسة كزيادة وجود المرأة العراقية ضمن التشكيلة الجديدة
للوزارات، وهو أمر غير مألوف على المستوى العالمي، ومثال يحتذى به للمرأة العراقية الطموحة. فاليوم، نشعر
بالسرور والفخر عندما نرى ثلاث وزارات مهمة تقودها نساء وهي وزارة المالية، ووزارة الاتصالات، ووزارة الهجرة
والمهجرين.

 

في الختام، من المهم التأكيد على أن قياس فعالية القيادة النسائية ودورها في عملية بناء الدولة لا يقتصر على حضورهن
العددي في البرلمان فقط، ولكن يتعداه إلى مشاركتهن في مفاصل السلطة التنفيذية المسؤولة عن تنفيذ السياسات، ونحن
نأمل بأن نرى مشاركة أكبر من النساء العراقيات في مواقع صنع القرار داخل الحكومة العراقية في المستقبل.