عن مشاركة النساء الريفيات في الفضاء المدني والسياسي

ريم غسان

تطلعنا أدبيات المشاركة السياسية والاجتماعية على العوامل المؤثرة في مشاركة أفراد المجتمع في الحياة المدنية والسياسية، حيث تتفاعل عوامل الجنس والمنطقة والطبقة الاجتماعية وتتقاطع لتحدد شكل ودرجة هذه المشاركة. وهنا أود أن أتطرق إلى مشاركة النساء الريفيات ومشكلة تهميشهن واقصائهن، فمع انتشار حالات اقصاء النساء عامةً عن طاولة صنع القرار في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية، لا يخفى على أحد أن النساء الريفيات تحيط بهن ظروف تكرس تهميشهن، وتضعف فرصهن في بناء قدراتهن ووعيهن، مايقود لضعف ايمانهن وثقتهن بأنفسهن، والنتيجة هي تطبيع اقصائهن، وإعادة انتاج الأنماط والمعايير الذكورية.

 

من هذه الظروف التي تحكم الريف في العراق نقص الخدمات كالطرق وموارد المياه الصالحة، وقلة أو انعدام المدارس والجامعات والمراكز الصحية، بالإضافة إلى المشاكل البيئية والأمنية والاجتماعية، وازدياد سطوة سلطة القبيلة وأعرافها وأنظمتها الأبوية في ظل انفلات السلاح، ما قوى الفكر العشائري، وطبع العنف ضد النساء.

 

أسباب ضعف المشاركة:

 

تتفاعل العوائق المختلفة أمام مشاركة المرأة الريفية بشكل مستمر بحيث يصعب الفصل بينها. فمن جهة أولى، لدينا الأنظمة الأبوية التي تحكم المجال الخاص. ومن جهة ثانية، تجد هذه الأنظمة طريقها إلى المجال العام، فتعيد السياسات العامة انتاج الأنماط الذكورية على نطاق أوسع. ولبيان ذلك، سأقوم أدناه بتسليط الضوء على هذه العوائق وديناميكية تأثيرها في مشاركة النساء الريفيات.

 

1. عوائق من قاعدة الهرم المجتمعي (ثقافية، اجتماعية، اقتصادية):

 

● أعراف اجتماعية توحي بأن فكرة الهيمنة والسلطة الذكورية أمر طبيعي ناتج عن اختلاف بيولوجي يحتم تقسيم الأدوار والأنماط الاجتماعية. مثلاً في العرف العشائري العربي، لايسمح للنساء بالجلوس في مجالس الرجال ودواوين الشيوخ، والمشاركة في صناعة القرار في الريف، باعتباره دور مناط بالرجل.

 

● منح الرجل الحق في تعنيف المرأة حفاظاً على الشرف المرتبط عرفاً بجسدها، واجباره على الالتزام بهذا السلوك، وإلا فإنه يتعرض للنبذ والتحقير، مايبرر ويشرِع انتهاك حقوق النساء في التعليم والوصول للمعلومة، والعمل والتنقل والحرية، وبالتالي اقصائهن عن الحياة العامة.

 

● تعطل ظروف الحياة في الريف قدرة النساء على ادراك التأثيرات الرمزية التربوية والبيئية، المتمثلة بالمعتقدات الثقافية، مثل ربط العنف والحكمة بالرجولة، وربط الضعف وقلة المعرفة بالأنوثة، ما يجعل النساء يرون أن المجال العام لا يخصهن، وأن صناعة القرار شأن ذكوري، ما يحافظ على هياكل سلطة الذكور على الإناث بشكل حتمي غير قابل للنقاش.

 

● قلة الموارد نتيجة الالتزام بقسمة الأدوار الجندرية التقليدية، إذ تقوم النساء بأعمال الرعاية الأسرية، فتقضي الريفيات وقتاً طويلاً في جلب الماء والحطب وغيرها من الأعمال الخاصة بالأسرة، لاسيما في ظل أزمة الجفاف والتغييرات المناخية، مايقلص رصيدهن من الموارد المطلوبة للمشاركة السياسية كالوقت والمال والعلاقات الاجتماعية والمعرفة، عوضاً عن أن العرف القبلي يمنعهن من امتلاك الأراضي والحصول على الميراث.

 

2. عوائق من أعلى الهرم المجتمعي (سياسية، قانونية، مؤسساتية):

 

● تعاني العراقيات اجمالاً من بعض القوانين التمييزية التي تشرع وتنمط سلطة الرجال عليهن، كحق التأديب في قانون العقوبات العراقي. كما تكرس المناهج التعليمية والاعلام تقسيم الأدوار الجندرية والمعايير والأنماط الاجتماعية التي تقصي النساء عن المجال العام.

 

● للتمييز ضد النساء في السياسات العامة أثر مضاعف على الريفيات، بحيث يقل معدل افتتاح مدارس ثانوية للفتيات في الريف مقارنة مع مدراس البنين. فقد وصلت نسبة النساء الريفيات الأميات في العراق إلى ٢٤%، حسب آخر بيانات وزارة التخطيط العراقية.

 

● ضعف مراعاة مقاربة النوع الاجتماعي في القرارات التي تخص المشاريع الخدمية وغيرها، مثل الشروط الموضوعة لاستحصال القروض، مايضعف فرص الريفيات للمشاركة في السوق ومجالات الحياة العامة.

 

● الفهم الاختزالي للسياسة في العراق، وذلك بربطها بالسلطة والهيمنة والقمع والعنف، والتي ترتبط ثقافياً بالرجولة، بدلاً من الديمقراطية ورابطة المواطنة والعقد الاجتماعي. إضافة إلى تأسيس السياسة على فكرة الراعي والرعية، لاسيما مع سيطرة الأحزاب الدينية وفرض ايديولوجيتها على مفاصل الدولة، مايكرس اقصاء النساء من المشاركة السياسية.

 

سبل تفعيل مشاركة الريفيات:

 

إن مشاركة النساء في الفضاء المدني هي تعبير عن وعيهن واهتمامهن بالشأن والقضايا العامة، وتتحقق بوصولهن للمعلومات، وقدرتهن على الإقناع والتأثير، والمشاركة في الاحتجاجات السلمية، واستبدال المفاهيم السلبية لتوزيع الأدوار وأنماط العلاقات بمفاهيم ايجابية مبنية على المساواة ونهج حقوق الانسان.

 

يتطلب العمل على ذلك تفعيل مسارين، من أعلى الهرم المجتمعي عبر السياسات والأنظمة، ومن أسفله عبر التحولات الاجتماعية كالتالي:

 

● التوجه نحو التشريعات والسياسات والممارسات التي تعتمد مقاربة النوع الاجتماعي، مايتطلب إرادة سياسية وايديولوجية تؤمن بالمساواة والمواطنة.

 

● تمكين النساء الريفيات عبر توفير الموارد الأساسية لخلق ظروف اقتصادية تسمح لهن بالمشاركة المجتمعية والسياسية.

 

● ضبط المتغيرات المتحكمة في تشكيل الثقافة، لتوفير الشروط التي تسمح بإحداث تغيير، ومساندة النساء الريفيات ليسهمن في هذا التحول المجتمعي. ومن أهم المتغيرات التي يمكن العمل عليها المناهج التعليمية التي تخلق وعياً بديلاً للمعايير الجندرية وتقسيم الأدوار، واعلام مهني يدعم الخطاب النسوي، ويخلو من خطابات الكراهية ضد النساء، ويحفز على التغيير الاجتماعي، بالإضافة إلى عرض نماذج وأمثلة عن قصص نجاح بمقاربة حقوق الانسان والجندر.