تعزيز دور المرأة في بناء السلام

سمية دهام كاظم

ممارسة عملية بناء السلام هي سلوك ما بعد الحروب، سواء الحروب الدولية، أو الحروب الأهلية – أي داخل الدولة ذاتها. يعد بناء السلام توازنًا للقوى في إطار النظام الدولي، وتسعى عملية بناء السلام إلى محاربة العنف ضد المرأة بوجود الحرب ودونها، كما تركز على السلام مع البيئة والسلام الداخلي للإنسان واحترام حقوق الانسان. للمرأة دور كبير في عملية بناء السلام، أمر تؤكده تقارير منظمة الأمم المتحدة، في قرار مجلس الأمن رقم ١٣٢٥ الصادر في عام ٢٠٠٠. ينص هذا القرار على إعطاء المرأة دورًا في بناء السلام المستدام، وهو يعتبر أول وثيقة رسمية يطلب فيها أطراف النزاع احترام حقوق المرأة وتعزيز دورها في مرحلة النزاع ودعم مشاركتها في حل النزاعات ومفاوضات السلام وإعادة الإعمار والبناء، واعتُرف من خلاله بالحاجة الضرورية لتضمين النساء باعتبارهن صاحبات مصلحة نشطة في مجال درء النزاعات وحلها.

 

في عام ٢٠٠٤، قدم فريق رفيع المستوى تابع لمنظمة الأمم المتحدة، معنيّ بالتحديات والتهديدات، تقريرًا ذكر فيه أن بناء السلام يحقق انسجام عمل منظمة الأمم المتحدة مع التحديات الجديدة التي أضحت تهدد السلم والأمن الدوليين، حيث يُعد هذا التقرير بداية لفكرة إنشاء هيئة مستقلة تابعة للأمم المتحدة، سمّيت بلجنة بناء السلام وفق قرارين: الأول، قرار مجلس الأمن رقم ١٦٤٥ في عام ٢٠٠٥، والثاني، قرار الجمعية العامة رقم ١٨٠/٦٠ في عام ٢٠٠٥.

 

بعد ذلك، صرّح الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق كوفي عنان في إحدى خطاباته، “لا يمكننا أن نبني الأسس اللازمة لسلام ثابت وتنمية وحوكمة رشيدة وحقوق إنسان وعدالة باقية ما لم تلعب النساء دورًا كاملًا ومساويًا”. يتطلب النهوض بواقع المرأة خططًا وطنية لتأمين احتياجاتهن وضمان حمايتهن والمساهمة في تطوير قدراتهن، كي لا تعطي المجتمع ذريعة لغياب تمثيلهن بحجة عدم وجود نشاطات، مما يعني الاهتمام بالتعليم وتطوير القدرات على نطاق واسع وفسح المجال للمرأة كي يكون دورها أكثر فعالية في تطوير المجتمع بشكل عام وفي بناء السلام.

 

ومن المهام الأساسية لعملية بناء السلام إعطاء دور للشباب (نساءً ورجالًا)، وتشجيع المبادرات وتنظيم الدورات والبرامج لمساهمة أكبر قدر ممكن من الشباب في مراحل حل النزاعات. يتضح هذا في التقرير الذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة عام ٢٠١٢ بان كي مون، حيث ذكر أن بغية نجاح عمليات بناء السلام ما بعد النزاع يجب أن تكون عملية تحويلية، وأن يعطي حيزًا لمجموعات أوسع من الجهات الفاعلة تتمثل في الشباب والنساء وأهالي الضحايا والجماعات المهمشة، إلخ.، كي تشارك هذه المجموعات في عملية بناء السلام، مع إعطاءها كافة المستلزمات وتوفير مساحة آمنة لتبادل الخبرات. كما يجب أن يضمن بناء السلام مشاركة الشباب من كافة الطوائف والمذاهب بشكل متساوي باعتبارهم لبنة المجتمع الأساسية وعموده. غير أن التأثير على حياة المرأة ودورها الرسمي في السلام والأمن على مستوى العالم كان منقطعًا؛ فكثيرًا ما تغيب الإرادة السياسية اللازمة من أجل ١) تمكين المرأة من المشاركة الحقيقية في عمليات السلام ومؤسسات الأمن، ٢) توفير المعالجة الشاملة للأسباب الكامنة وراء النزاعات والعنف وعدم المساواة بين الجنسين، ٣) دفع التطبيق من خلال التقارير الشفافة وانخراط المجتمع المدني، و4) تعبئة الموارد المالية اللازمة.

 

منذ صدور هذه القرارات، أصبح هناك العديد من الالتزامات الجديدة والاعتراف المتزايد بالسياسات وبالخطاب السياسي المتعلق بأجندة المرأة والسلام والأمن. كانت الدنمارك أول دولة تضع خطة عمل وطنية لتطبيق قرار ١٣٢٥ في عام ٢٠٠٥، بينما قادت دولة شاطئ العاج الطريق بين دول إفريقيا جنوب الصحراء عام ٢٠٠٧، كما أطلقت مفوضية الإتحاد الإفريقي برنامج النوع الاجتماعي والسلم والأمن لخمس سنوات في ٢٠١٤، من أجل دفع مشاركة المرأة وحمايتها في جميع أرجاء القارة الإفريقية. بحلول يوليو/ تموز ٢٠١٥، قامت ٤٩ دولة بنشر خطة عمل وطنية في هذا الصدد، كما شهدت البلدان التي تتعافى من النزاع بعض الإنجازات الواضحة في هذا المجال. فبعد عشرين عامًا على أحداث التطهير العرقي في ١٩٩٤، أصبحت رواندا تحتل المرتبة الأولى على مستوى العالم في نسبة البرلمانيات التي وصلت إلى ٦٤%، وفي ٢٠٠٦، تم انتخاب إيلين جونسون سیرلیاف أوّل رئيسة امرأة لليبيريا، عقب الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد. كما شهدت الانتخابات الرئاسية والإقليمية التي أجريت في أفغانستان سنة ٢٠١٤ ترشيح رقم قياسي من النساء لمجالس الأقاليم، بلغ عددهنّ ٣٠٠ امرأة. أصبح البرلمان الأفغاني يضم ٦٩ نائبة، ما يعادل ٢٧.٧% من إجمالي عدد الأعضاء البالغ ٢٤٩، مقارنة بعدم وجود أي امرأة في البرلمان في ٢٠٠١. في هذا الصدد، أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة أول خطة عمل وطنية حول المرأة والسلام والأمن على مستوى دول الخليج العربية، وتأتي الخطة، والتي أطلقتها الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام، تنفيذًا للقرار ١٣٢٥، في سابقة هي الأولى من نوعها على مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وذلك امتدادًا لجهود دولة الإمارات بتعزيز مشاركة المرأة في السلام والأمن. من هذا المنطلق، تحرص دولة الإمارات على تعزيز الشراكات الدولية والأطر المؤسسية العالمية الهادفة لترسيخ المساواة بين الجنسين والتعاون والشراكة المرتكزة على النهوض بالمرأة. هي أيضًا تدعم منظمات العمل الإنساني والخيري على المستوى الإقليمي والعالمي، للدفع بالعمل الإنساني والنسائي إلى الأمام والمساهمة النوعية في تحسين حياة المرأة كجزء من بناء مجتمعات آمنة ومستقرة. أما في العراق، فكان دور المرأة ومشاركتها أمور تكاد لا تذكر قبل عام ٢٠٠٣، إلّا أن العديد من المتغيرات فيما بعد قد فسحت المجال أمام المرأة العراقية للمشاركة في العمل السياسي وصنع القرارات، ومنها قضايا السلام والأمن المجتمعي بعد عام ٢٠٠٣، إذ بلغ عدد النساء في البرلمان العراقي ٨٣ عضوًا تحت سدة القرار التشريعي من مجموع ٣٢٩ عضوًا، بعد أن حدد الدستور العراقي الدائم في ٢٠٠٥ اتباع البلاد نظام الكوتا ودخول العراقيات المحفل السياسي بنسبة ٢٥% من عدد المقاعد الكلية وفي ثلاث دورات تشريعية.